اقتصاد

السياحة بالمغرب خلال 2023 تسجل أرقاما قياسية

لم تكن 2023 سنة عادية على جميع القطاعات بالمغرب، فقد جعل منها زلزال الحوز سنة استثنائية على كافة الأصعدة، سواء من حيث المأساة التي خلفها الزلزال وحجم التضامن الذي رافقها، أو التخوف من تأثيره على مجموعة من القطاعات الحيوية على رأسها صورة المغرب كوجهة سياحية متفردة.
وعلى عكس التوقعات، كانت مفاجأة السنة التأكيد على ثقة السياح في الوجهة المغربية والتمسك بها، وتجلى ذلك في ارتفاع عدد السياح الذين زاروا المغرب في متم شهر نونبر الماضي إلى 13,2 مليون سائح، بزيادة بنسبة 36 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

ارتفاع عائدات السياحة

كما تجاوز عدد السياح خلال هذه الفترة المستوى الذي بلغه على مدى عام 2019، حين وصل إلى 12,9 مليون، حسب ما أكدته وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، في وقت سابق.

وتُعزز بيانات مكتب الصرف معطيات وزارة السياحة، لتؤكد على استمرار الثقة في المؤسسات السياحية الوطنية وفي الوجهة المغربية، بحيث ارتفعت عائدات السياحة في العشرة أشهر الأولى من العام الجاري بنسبة 20,7 في المائة، بعدما توافد 12,3 مليون سائح على المملكة في تلك الفترة.

وقفزت عائدات السياحة في العشرة أشهر الأولى، حسب التقرير الشهري لمكتب الصرف، حول مؤشرات المبادلات الخارجية، الصادر يوم الجمعة فاتح دجنبر إلى 88,47 مليار درهم، مقابل 73,2 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي.

وتتجاوز تلك العائدات المستوى الذي بلغته في العشرة أشهر الأولى من عام 2019، حين كانت في حدود 67 مليار درهم، قبل أن تسجل انخفاضا قويا في عامي 2020 و2021 إلى 28,7 مليار درهم إثر جائحة كورونا، وترتفع في متم أكتوبر من العام الماضي إلى 73,2 مليار درهم.

واعتبرت الوزيرة فاطمة الزهراء عمور، اجتياز عتبة 12 مليون زائر خلال سنة 2023 على الرغم من التحديات التي واجهت البلاد بعد زلزال الحوز تشجيعا على مواصلة الجهود المبذولة في مجال الترويج السياحي وعلى مستوى تنويع الأسواق المُصَدِّرَة للسياح.

مبادرات وحملات تواصلية

ولم تأت ثقة السياح في الوجهة المغربية من فراغ خلال سنة الزلزال، فقد عقد المكتب الوطني المغربي للسياحة سلسلة من المشاورات والمباحثات المتواصلة مع كل من الوزارة الوصية، والكونفدرالية الوطنية للسياحة وكافة المهنيين المغاربة بغية العمل في المقام الأول على تدبير حال السياح الأجانب الموجودين بالمغرب والوافدين عليه بعد وقوع الكارثة.

كما باشر المكتب اتصالاته مع كافة شركائه بمختلف بلدان العالم من منظمي الأسفار والرحلات، وشركات الطيران، وجمعيات الأسفار الوطنية، وفاعلي كافة الأسواق المصدِرة بغية طمأنة الجميع حول استقرار الوضعية بالمغرب والقدرة على ضمان استمرارية دينامية القطاع.

ولم تتوقف المبادرات المتخذة عند المشاورات فقط، بل تعدت ذلك إلى إطلاق حملة تواصلية وطنية جديدة لحث المغاربة على السفر إلى مراكش بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف والعطلة المدرسية لشهر أكتوبر، وذلك تفاعلا مع الحركة التضامنية الاستثنائية للمغاربة قاطبة التي أعقبت زلزال منطقة الحوز.

وكانت تهدف هذه الحملة، التي أطلقها المكتب الوطني المغربي للسياحة، إلى مواصلة الزخم التضامني للمغاربة بحثهم على القدوم مجددا إلى مراكش وتقاسم لحظات العيش مع المراكشيين خلال هذه الفترات الاستثنائية.

وتجاوب السياح المغاربة والأجانب مع هذه الحملة بشكل ملحوظ، بحيث شهدت مدينة مراكش خلال أيام عطلة عيد المولد النبوي الشريف، إقبالا كبيرا للسياح، تراوحت نسبته بين 60 و70 في المائة، ولم يقتصر هذا الرواج السياحي على مدينة مراكش فقط، بل شمل باقي المناطق المتضررة من الزلزال.

وأكد مصدر مسؤول بالمجلس الجهوي للسياحة بمراكش، خلال تلك الفترة، في تصريح لـSNRTnews، على أن عدد الرحلات الجوية بمطار مراكش ارتفع بشكل ملحوظ، بعد الزلزال، وذلك كجزء من التضامن الذي شهده قطاع السياحة بمراكش خلال هذه الظروف.

وفي شهر أكتوبر 2023، عمد المكتب الوطني المغربي للسياحة، إلى إطلاق حملة ترويجية عالمية جديدة تحمل بعنوان “مراكش إلى الأبد”، وهي “ذات حمولة شاعرية وعاطفية”، تتغنى بمراكش والمغرب عامة.

وأوضح المكتب الوطني المغربي للسياحة أن هذه الحملة الترويجية الجديدة تجسد قدرة مراكش ومواطنيها على الصمود ومقاومة كل المحن والصعاب، مبرزا، في بلاغ سابق، أن الهدف المتوخى من هذه الحملة يتلخص في إعادة التأكيد على أن مراكش خاصة، والمغرب بشكل عام، وجهة متفردة بكل المقاييس، قادرة على استعادة عافيتها في زمن قياسي.

ودفعت هذه البيانات فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إلى التعبير عن التوجه نحو تجاوز هدف 14 مليون سائح بحلول نهاية دجنبر الجاري.

ثقة المؤسسات المالية

كما شكل قرار مؤسسات بريتون وودز (Bretton Woods) الإبقاء على انعقاد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي بمراكش بعد 11 يوما من الزلزال الذي ضرب عددا من مناطق المملكة، إشارة قوية للمجتمع الدولي وعلامة على الثقة في قدرة المملكة على تخطي التحديات.

ومثل هذا القرار بالنسبة لوزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، تجسيدا للثقة التي يحظى بها المغرب من طرف هاتين المؤسستين، “لاسيما في سياق التدبير الفعال والناجع والاستعجالي لآثار وعواقب زلزال الحوز، تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس”.

17,5 مليون سائح في أفق سنة 2026

وفي إطار مختلف المبادرات والإجراءات المتخذة للترويج للوجهة المغربية، تعتزم الحكومة جذب 17,5 مليون سائح في أفق سنة 2026، وتم لهذه الغاية توقيع اتفاقية إطار للشراكة لتنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية لقطاع السياحة، بميزانية تصل إلى 6,1 مليار درهم خلال الفترة 2023 -2026.

وبالإضافة إلى استقطاب حوالي 17,5 مليون سائح في أفق 2026، تتوخى خارطة طريق السياحة، كذلك، تحقيق 120 مليار درهم من المداخيل بالعملة الصعبة في أفق 2026، وخلق 200 ألف فرصة شغل جديد مباشر وغير مباشر في أفق 2026، فضلا عن إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني.

ولضمان نجاح خارطة طريق السياحة وتجسيدها على أرض الواقع، تم اعتماد حكامة جديدة من خلال إحداث لجنة وطنية بين وزارية مكلفة بالسياحة تحت رئاسة رئيس الحكومة، تتكون من الأطراف الموقعة على الاتفاقية الإطار، ولجنتين وطنيتين، الأولى مكلفة بالنقل الجوي، والثانية بالمنتوج السياحي “العرض-الطلب”.

كما تسعى الحكومة إلى مضاعفة عدد السياح الذين يزورون المملكة بحلول سنة 2030 ليصل إلى 26 مليون سائح، حسب بلاغ سابق للوزارة الوصية على القطاع، مبرزة أن استراتيجية القطاع سترتكز على ثلاثة محاور رئيسية، تتجلى في تعزيز النقل الجوي من خلال الرفع من الطاقة الاستيعابية ومضاعفة الرحلات الجوية من وجهة إلى أخرى، وملاءمة العرض السياحي للطلب الوطني والدولي، وتحفيز الاستثمار العمومي والخاص حول الروافع ذات الأولوية، بما فيها الترفيه والتنشيط والسياحة الإيكولوجية.