اراءثقافة وفن

سلسلة “بابا علي”: ثقل الكم وضعف الكيف في الدراما الأمازيغية

عبد العزيز اقباب

إن لم تكن مشاهدا وفيا للدراما الأمازيغية فسلسلة “بابا علي” سلسلة درامية كوميدية أمازيغية، بدأت منذ أربع سنوات، من إنتاج قناة الثامنة “تمازيغت” وإخراج “مصطفى أشاور” أحد مخرجي الدفعة الثانية من المخرجين بالمغرب كما يعرفها رواد الفن السابع المغاربة، أما إن كنت مشاهدا وفيا للدراما الأمازيغية فأنت تحفظ أبرز العبارات الإيقاعية بمسلسل “بابا علي”، أوتاو.

لا يختلف الكثير من المشاهدين سواء الكلاسيكيين أو الهواة أو حتى المتخصصين على كون السلسلة المذكورة ملهمة في جزئيها الأول والثاني، فقد جاءت في وقت كان لابد لسلسلة مستوفية لمعايير متنوعة ومختلفة، لعل أبرزها احترام البعد العائلي بمقاربة ضبطية خاصة تمكن من المشاهدة الجماعية دون حرج، سلسلة تلبي حاجة المشاهد الأمازيغي من مشاهدة مادة سمعية بصرية بلغته الأم على قناة عمومية موجهة له بالأساس، وفي وقت الذروة، وقت الإفطار في رمضان، وذلك على حساب مواد مماثلة دائمة الحضور بالقنوات الأخرى.

نجاح جزئين في تصدر حلقاتهم الأولى نسب المشاهدة على يوتيوب مرتين على التوالي، أيقظ لدى المنتج وكذا السيناريست والمخرج رغبة الاستمرار في العمل ولو ب”تجباد لاستيك” بالعامية. هنا برزت النمطية والتصنع، بعد شفاعة المنظر الطبيعي وجو المشاهدة الجماعية للجزئين الاول والثاني، وتغطيتها لما جاء فيهما من أخطاء فنية وتقنية وثقافية ولغوية إبداعية.

جزء ثالث متوسط المشاهدة وأقل إبداعية، حيث اكتفى متذوقي الفن وغيوري الثقافة الأمازيغيين عن قبول المادة المستهلكة، والمستعيرة لثقافات خارجية وممارسات (برانية) غريبة عن مجتمع تصوره السلسلة، ليبقى المشاهد الكلاسيكي المستهلك لكل ما يقدم له وحيدا وفيا لعمل في قالب علكة مطولة تمضغ رغم خلوها من أي مذاق، ليس تنقيصا من المشاهد ولا السلسلة، ولكن لعدم إلمام المشاهد بالجوانب الفنية والتقنية البنائية للعمل الفيلمي التلفزي، وربما كذلك بالنسبة للسيناريست، أما المخرج فاللهم إن حذا حذو نجمه الوحيد، سيرا على خطى استوديوهات “فوكس” بهوليود غداة سنوات السبعينات من القرن الماضي.

استصيغ الجزء الثالث المتصنع، الذي كانت له إيجابية طرح أرض خصبة لبدء تحرير كتابات محاولة لنقد السلسلة، رغم محدودية أغلبها الصادرة من مشاهدين عابرين وأخرى منها حتى المنبثقة عن معارف الهواة والمتخصصين، رغم التساؤلات التي تطرح مع لفظ التخصص بالسينما والدراما الأمازيغية بالمغرب، وبعد حلها عن النقد وغير قابلة للتصنيف حتى كانتقاد. وصاحبت مهمة التفكير في جزء رابع للسلسلة المعلومة موجة انتقاد عارمة، لكن ماذا إن كانت مهمة الإنتاج مباركة من المنتج ومن الجمهور العابر العريض.

اليوم وبعد عرض الحلقة الأولى من الجزء الرابع من سلسلة “بابا علي” التي يخضع عنوانها حتى لجدالات تبخس العمل لعدم تمكن فريقه من إبداع عنوان جديد ومتفرد له، مكتفين بقلب عنوان “علي بابا” إلى “بابا علي”. حلقة أولى لها ما لها وعليها ما عليها، فبمرور سريع على أبرز ما تضمنته، فلربما كانت ناجحة بشكل عام تقنيا، فالصوت والصورة مقنعين تماماً، والبناء التقني (المونطاج) فحاول إدماج الكثير من الأنواع المختلفة ما جعل البناء مرتبكا قليلا، فتوالي المونتاج القافز يربك المشاهد.

أما الجانب الفني، فلا بد من التوقف لدى مختلف زواياه، فقد ظهر المعجم الأمازيغي بشكل كبير موظفا في الحوار ولعل ما يبرز ذلك أكثر أسماء الشخصيات الجديدة بالسلسلة، والملابس أيضاً نالت حقها من التوظيف الجيد، رغم لبس واختلاف غير موفق في مشهد زيارة متضرري الزلزال، مشهد يقبل قرائتين، بين توظيف مستحب للتطرق الضحايا الزلزال وإثارة الإنتباه إليهم، كما حال مشهد تكريم الفنانة فاطمة جطان بالموسم الثالث، وبين حشو غير موفق بالشكل الذي يتماشى ومسار السلسلة الدرامية، فالحبكة الدرامية أرغمت على إدخال تمفصل درامي حزين وحساس بين تمفصلات درامية حركية وكوميدية، فهل يكون ربما جدار الإيهام السينمائي مكسرا للمرة الثانية بهكذا مشهد؟ للتأسيس والتنظير لقالب سينمائي جديد بالمجال، على خطى بيرتولد بريخت في كسر الجدار الرابع أو جدار الإيهام والتخييل بالمسرح، والذي أعطى الدفعة القوية لتطوير المسرح والسينما لاحقا.

ولابد أن نشبر إلى أن السينما وكل الأعمال الإبداعية تبدأ، فتمر من مرحلة الكم حيث يتم الإنتاج بكثرة، لتراكم التجربة وتتطور الموهبة وتصقل، لتأتي مرحلة البحث عن الجودة، وقد مرت السينما المغربية من المرحلة نفسها، وكذا الأمازيغية على وجه الخصوص، إلا أن الوقت لم يعد يسمح للمراكمة، فبعد العديد من السنين وتراكم التجارب، لا بد من طرح سؤال الجودة، والكيف لبناء المعنى، بعيداً عن ثقل الكم والتراكم.