محسن بوهلال.. كابتن لا يشيب وقائد لا ينطفئ نجمه (بورتريه)

في قلب مدينة الرباط، حيث لا يزال صدى الملاعب يرن بين أزقتها، وُلد محسن بوهلال، الفتى الذي أصبح اسمه مرادفًا للموهبة والعزيمة.
وكانت خطواته الأولى على الأرض بمثابة حلم، الحلم الذي تنامى شيئا فشيئا، حتى أصبح جزءًا من ذاكرة كرة القدم المغربية. لم يكن مجرد لاعب، بل كان قصة تجسد الإصرار على النجاح، وتصبح في النهاية جزءا لا يتجزأ من تاريخ رياضتنا.
كانت بداية محسن بوهلال مع كرة القدم بسيطة، ككل بداية، ولكنها سرعان ما تحولت إلى شغف لا ينتهي. من أزقة حيه الذي عاش فيه، إلى أرضية ملعب اتحاد تواركة، كانت أولى تجاربه التي أعلنت عن موهبته الفطرية.
وبين كل الموهوبين، كان هو من يتألق أكثر، من يركض بشكل مختلف، من يسحر الجماهير بخفة حركة وموهبة تلامس السماء. سرعان ما اكتشفه نادي الجيش الملكي، أحد أعرق الأندية المغربية، لينقله إلى عالم النجومية في موسم 1988، فكانت تلك النقلة بمثابة بداية مسيرته الذهبية التي ستُخلّد في التاريخ.
وعلى أرضية الملعب، كان محسن بوهلال يتنفس كرة القدم كما يتنفس الحياة. كان يداعب الكرة كأنها جزء من جسده، لا يفارقها ولا تفارقه. يمتاز بأسلوبه الفني الذي يجمع بين السرعة، التقنية، والتكتيك.
لم يكن مجرد لاعب، بل كان قائدا، بطلا، تجسيدا لروح الجيش الملكي. فاز ببطولة الدوري المغربي، وعانق كأس العرش في أكثر من مناسبة، وحقق انتصارات شهد لها الجميع.
وفيما كانت مشواراته المحلية تتسارع، بدأ محسن بوهلال يخطو خطواته على الساحة الدولية. ارتدى القميص الوطني بكل فخر، وكانت الأرض القارية شاهدة على تألقه في العديد من البطولات الكبرى.
قدم مباريات لا تنسى مع المنتخب الوطني، وشارك في كأس الأمم الإفريقية 1992، والألعاب الأولمبية في نفس العام، وصولا إلى تصفيات كأس العالم 1994 وكأس الأمم 1997. في كل مناسبة، كان يضع قدمه بثبات على العشب الأخضر، عازما على ترك بصمة لا تمحى في تاريخ الرياضة المغربية.
لكن الوقت لا يقف عند لحظةٍ واحدة، ومن أجل تحوّل آخر في مسيرته، قرر بوهلال أن يترك أرضية الملعب وأن يبدأ فصلا جديدا من حياته. فبعد أن أودع كرة القدم في قلبه، قرر أن يصبح مدربا، ليس فقط لنقل تجربته، بل لتصنع أجيالا جديدة قادرة على حمل الإرث الذي تركه.
وبين عامي 2019 و2023، تولى تدريب الجيش الملكي ثم نادي Stade Marocain، ليواجه تحديات جديدة، وتغمره نفس الحماسة التي كانت تملأ قلبه عندما كان لاعبا.
ورغم كل التحديات التي مر بها، لم يكن أحد يتوقع أن محسن بوهلال سيغادرنا بهذه السرعة. في 5 أبريل 2025، وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض، تاركا خلفه إرثا رياضيا يحتذى به، وإرثا إنسانيا لا ينسى. مات جسده، لكن روحه ستظل حية في كل من عايشوا تألقه، في كل من حلموا بأن يكونوا مثله، في كل من ارتدى القميص الوطني بفخر، كما كان يفعل.
ومحسن بوهلال ليس مجرد لاعب، بل هو أسطورة، وأيقونة، ورمز للعزيمة. عاش بحب، ورحل بسلام، ولكن صوته سيتردد دائما في كل ملعب، في كل فريق، في كل قلب مغربي عشق كرة القدم.