زورا تانيرت... حينما تعانق الروح نغم إيض ن يناير في الدشيرة

يناير 12, 2025 - 13:06
 0
.
زورا تانيرت... حينما تعانق الروح نغم إيض ن يناير في الدشيرة

في ليلة مباركة، تنفست فيها الأرض عبق الأصالة، ورفرفت الأرواح على أجنحة النغم، أشرقت الفنانة زورا تانيرت كقنديل نوراني يُضيء عتمة الزمن، تشدو بأنغام تنبع من أعماق الوجدان، في حضرة الاحتفال بـإيض ن يناير، ليلة الولادة الجديدة للسنة الأمازيغية. كان ذلك في قاعة رياض النخيل بمدينة الدشيرة الجهادية، حيث نظمت جمعية تاليلت للمساعدة الطبية للفنانين هذه السهرة التي أضحت مقامًا روحانيًا للوصال بين الإنسان وأرضه.

اعتلت زورا المنصة كنسمة رقيقة تعبر صحراء الروح، وانسكبت أنغامها كجدول صافٍ يجري بين ضفاف القلوب. مزجت بين المقام الخماسي الأمازيغي، المتجذر في ذاكرة الجبال والسهول، وإيقاعات البلوز والروك، كأنها تحيك وشاحًا موسيقيًا يلف الزمن بحنينه العتيق وتجدد روحه. لم تكن تلك مجرد أغنيات، بل كانت مناجاة خفية بين القلب والكون، همسات تعبر خيوط الضوء إلى مساحات أوسع من الإدراك.

وما بين نغم ونغم، أهدت زورا جمهورها نفحات من ريبيرطوار الموسيقار الراحل عموري مبارك، وكأنها تستدعي ظلاله ليحضر معنا في هذا المقام، في انحناءة وفاء لمن زرع بذور الفن في تربة الذاكرة. كانت أغانيها جسورًا تمتد بين ماضٍ عريق وحاضر متجدد، وكل وتر يعزف كان صلاة موسيقية تُرفع إلى سماء الإبداع.

ولم تكن وحدها في هذا العروج الفني، فقد جاء عبد الهادي إنزنزارن، والعربي إمغران، والعربي إحيحي، كأطياف نورانية تنثر عبق الحكمة والغناء، يخطون بأصواتهم رسائل محبة فوق صفحات الروح. كانوا كأنجم تتلألأ في ليل الدشيرة، تتعانق مع أنغام زورا في وحدة لا يدركها إلا من أصغى بقلبه قبل أذنه.

كانت ليلة إيض ن يناير أكثر من احتفال؛ كانت عودة إلى الذات الأولى، إلى الجذور التي تمتد عميقًا في أرض الأمازيغ، إلى ذلك الرابط المقدس بين الإنسان والأرض، بين الصوت والصدح، بين الفناء والبقاء. كانت أمسيةً فيها الفن ليس مجرد عزف، بل تجلٍ صوفي، حيث يذوب الفنان في نغمه، والجمهور في سكونه، ليصبح الجميع كيانًا واحدًا يتردد صداه في أفق الروح.

هكذا عبرت زورا تانيرت بنا، لا فوق المسرح فقط، بل بين عوالم من السكينة والنشوة، حيث لا يبقى إلا النغم، يفتح أبواب السماء لمن أرهقته الأرض.