ثلث العلامات التجارية الفرنسية للمياه المعدنية الطبيعية تتم معالجتها بطرائق غير قانونية
العلم -
كشف تحقيق مشترك أجرته إذاعة فرنسا وصحيفة "لوموند"، حول الممارسات غير المشروعة لمجموعة نستله ووترز (فيتيل، هيبار، بيرييه...)، أن ما لا يقل عن ثلث العلامات التجارية الفرنسية للمياه المعدنية الطبيعية ومياه الينابيع، تتم معالجتها بطرائق غير قانونية لا تخضع الموارد المائية الجوفية لها، ويسمح استخدامها فقط لإنتاج المياه "المعالجة الصالحة للشرب"،
واستقرت شركة "نيستله ووترز" السويسرية بإقليم فوج شرق فرنسا، المشهورة بمياه الينابيع النقية وآبارها الارتوازية، التي روجت لعلامات تجارية مثلت رمزا للإقليم، إلا أن الشركة أقدمت على تبليغ السلطات الفرنسية عام 2021 باستخدام معالجات محظورة بالأشعة فوق البنفسجية ومرشحات بالكربون المنشط في بعض مياهها المعدنية للحفاظ على "سلامتها الغذائية"، حيث يعد مخالفا للقوانين الفرنسية تعقيم المياه المعدنية ذات الجودة الميكروبيولوجية العالية بشكل طبيعي، على عكس مياه الصنبور التي يتم تطهيرها قبل أن تصبح صالحة للشرب، والتي تباع بسعر أرخص بأكثر من 100 مرة من المياه المعدنية.
يقول "مورييل ليينو"، رئيس شركة نستله ووترز، لصحيفة "إيكونوميك" اليومية: "ضمانا لسلامة منتجاتنا، استخدمنا تدابير وقائية لم تتماش مع الإطار التنظيمي الفرنسي"، مشيرا إلى تغير المناخ وارتفاع الإجهاد المائي اللذين أثرا جزئيا على المعادن في المياه، ومبررا استخدام الشركة هذه التقنيات المحظورة بـ"التغيرات في البيئة المحيطة بمنابعها، والتي يمكن أن تجعل من الصعب أحيانا الحفاظ على استقرار الخصائص الأساسية لمياهها".
فوفقا لما توصلت له لوموند في مذكرة سرية عن إدارة "نستله ووترز"، فإن المشاكل المتكررة أو الموسمية لتلوث بعض الآبار بالبكتيريا القولونية - الناتجة عن التلوث البرازي، تم إخفاؤها عمدا عن السلطات المعنية، هذا ما قاد الشركة المعنية إلى تطبيق الترشيح الدقيق تحت عتبة 0.8 ميكرون (ميكرومتر)، والعلاجات بالأشعة فوق البنفسجية، واستخدام الكربون النشط.
شهادة موظف...الشرارة التي أشعلت فتيل التحقيق
أطلقت المديرية العامة للمنافسة والتجارة ومكافحة الغش بفرنسا، في العاشر من دجنبر 2020، تحقيقا إداريا تم بموجبه تفتيش المصانع التابعة لشركة "ألما" من قبل خدمة التحقيقات الوطنية، بعدم إبلاغ موظف سابق في الشركة المذكورة عن استخدام الأشعة فوق البنفسجية ومرشحات بالكربون في معالجة المياه، حسب ما أوردته صحيفة "لامونطان ".
وتوصل فريق التحقيق إلى ممارسات محظورة تم وصفها بالاحتيالية، اعتمدتها شركة "ألما في انتاج مياهها، من خلال المزج بين مياه غير مرخص لها ذات مصادر مختلفة، مما يعني إضافة ثاني أكسيد الكربون الصناعي إلى ما يسمى بالمياه المعدنية "الغازية الطبيعية"، إضافة إلى تقنيات غير مصرح بها لمنع أو معالجة أحداث التلوث التي تحدث في المنابع، كحقن الحديد، واستخدام مرشحات الكربون النشط، وتطهير المياه بالأوزون، والتصفية بالأشعة فوق البنفسجية. وأشار المحققون إلى أن بعض الممارسات المحظورة تتم في سرية تامة بعيدا عن أعين المسؤولين، من خلال استخدام الصناديق المتنقلة المثبتة في مواقع الحفر أو أثناء الإنتاج، من جهتها نفت شركة "ألما" استخدامها أي معالجة غير قانونية.
غشت 2021 وحتمية الاعتراف
وفي يوليوز 2021، تلقى مكتب النيابة العامة بكوسيه الفرنسية تقريرًا تحذيريا من قبل المديرية العامة للمنافسة والتجارة ومكافحة الغش، بموجب المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية، والذي يلزم من أي إدارة أو مسؤول حكومي التنديد بالجرائم والمخالفات التي تصل إلى علمه.
وقد كشفت المذكرة الصادرة عن المديرية العامة للمنافسة والتجارة ومكافحة الغش بفرنسا، حقائق مهمة قادت الباحثين إلى توسيع تحقيقاتهم ليشمل الشركات الأخرى المنتجة للمياه المعبأة. فبناء على البحث الذي أجري في مصانع "ألما" يشتبه في وجود استخدام واسع النطاق لممارسات التصفية المحظورة، إذ تم رصد عدد كبير من ناقلات المعادن وعلى وجه الخصوص بشركة "نستله ووترز".
وفي الواحد والثلاثين من غشت 2021 اعترف مديرو الشركة السويسرية متعددة الجنسيات فجأة باستخدام معالجات محظورة في جميع مواقع التعبئة والتغليف الخاصة بهم لتنقية مياههم المعدنية الطبيعية. وتقدمت شركة نستله للسلطات المعنية، خلال اجتماع عقدته، بطلب الاحتفاظ ببعض هذه المعالجات المحظورة ودعت إلى تطوير المعايير المسموح بها، خاصة فيما يتعلق بالتصفية، مقابل ذلك اقترحت الشركة المعنية امكانية التخلي عن بعض المواقع "كفيتيل" رغم أنها ستضع آلاف الوظائف على المحك.
وبعد ثلاثة أشهر أحال برونو لومير (وزير ال3) وأوليفييه فيران (وزير ال9) الهيئة العامة للشؤون الاجتماعية إلى مهمة تفقد مصانع تعبئة المياه المعدنية الطبيعية ومياه الينابيع بالتراب الفرنسي، بمساعدة الوكالات الصحية الجهوية. فأثناء عمليات التفتيش، وبفضل ما توصل له باحثو المديرية العامة للمنافسة والتجارة ومكافحة الغش ، جاء في اعترافات بعض محققي الوكالات الجهوية تعرضهم للخداع عمدًا أثناء عمليات التفتيش بمصانع نستله ووترز. وتشير العديد من الوثائق الداخلية الصادرة عن إدارات مختلفة، والتي تمكنت إذاعة فرنسا ولوموند من الاطلاع عليها، إلى وجود فحوصات تؤكد استخدام الأشعة فوق البنفسجية في معالجتها للماء و التصفية بواسطة الكربون المنشط
تقرير الهيئة العامة للشؤون الاجتماعية يكشف حقائق مثيرة عن شركة "نستله ووترز"
لا يخفي تقرير الهيئة العامة للشؤون الاجتماعية الذي قدمته في يوليوز 2022، الانتهاكات وأساليب إخفاء الممارسات غير القانونية التي تقوم بها بعض الشركات المختصة في تعبئة قنينات المياه. وحسب مفتشي الهيئة فإنه لم يتم الكشف عن الممارسات السرية داخل هذه الشركات باستثناء المصرح بها على الرغم من التدخل المنتظم لأجهزة التفتيش والمراقبة. وحسب الهيئة المذكورة، فقد توصلت الى الاستخدامات غير المشروعة لمعالجات المياه في المصانع الأربعة التابعة لمجموعة "نستله ووترز" حيث تتم تصفية دقيقة أقل من 0.8 ميكرومتر، بتوظيف عناصر الكربون المنشط والأشعة فوق البنفسجية المحظورة.
وحسب ذات المصدر، فلم يكن من السهل التوصل إلى مجموع المعطيات المحصل عليها، فقد يحتوي مصنع التعبئة والتغليف الواحد على أكثر من 50 كيلومترًا من الأنابيب، وتخضع أجهزة المعالجة في بعض الأحيان لسرية تامة، وغالبا ما تكون تحت أغلفة من الفولاذ المقاوم للصدأ، تلك المتعلقة بالترشيح، وبالتالي في مواجهة هذا التعقيد، أصبحت الدولة منزوعة السلاح تدريجياً للكشف عن الحقائق، كما سجل تراجع في عدد العناصر المسؤولة عن مراقبة مياه الشرب بنسبة 14٪ تقريبا بين عامي 2014 و2018.
بعد اكتشاف هذه الانتهاكات في فرع نستله ووترز بفوج، اتصلت الوكالة الجهوية لل9 بالمدعي العام في إبينال، فريدريك ناهون، الذي فتح تحقيقا أوليا في نوفمبر 2022. ووفقا لمعطيات قضائية، فإن شركة نستله ووترز متورطة بالفعل في استخدام الترشيح غير القانوني ما يفقد منظوماتها ومياهها المعدنية الطبيعية مكانتها كمياه معدنية طبيعية، وهو ما يعد تحايلا على المستهلك.
وحسب التحقيقات، فإن تلوث منابع المياه يحدث في الحالات المناخية الاستثنائية، أو في حالات تدخل غير مرغوب فيه في مناطق مجاورة للفرشة المائية، وقد تكون أيضا ناجمة عن الضعف الطبيعي للموارد، أو الإفراط في استغلالها، نتيجة تعرضها للضغط البشري. وفي الحالات الشاذة كهذه تغلق المواقع المتضررة، أو يتم خفض مستوى المياه المنتجة، والتي لا ينبغي تسويقها إلا تحت مسمى "المياه الصالحة للشرب بالمعالجة" بأسعار أقل من المياه المعدنية.
فالقضية برمتها هي مسألة المعالجات المشروعة لإنتاج "مياه معدنية طبيعية" ذات قيمة عالية. وبموجب هذا التقرير تم إنشاء المبدأ التنظيمي المتعلق بإنتاج المياه من قبل الوكالة الفرنسية لسلامة الأغذية، والوكالة الوطنية لسلامة الأغذية وال9 البيئية والمهنية.
في تقريرها، حذرت الهيئة العامة للشؤون الاجتماعية من الفشل في السيطرة على المخاطر الصحية، في حالة سحب العلاج بالأشعة فوق البنفسجية والكربون المنشط والحفاظ على الترشيح الدقيق فقط، هذا الأخير يمكنه إيقاف بعض البكتيريا المسببة للأمراض، لكنه يعجز عن التصدي للفيروسات الأصغر حجما. ومن المرجح أن تحتوي المياه النشطة بيولوجيا - الملوثة بالجراثيم كالفيروسات، وبات من الواضح أن تنفيذ ترشيح 0.2 ميكرومتر على المياه يعرض المستهلكين لخطر مرتبط بانتشار الفيروسات.
صدور قرار حكومي مرتجل يفاقم الأزمة
وفي 22 و23 فبراير 2023، أكدت الحكومة الفرنسية في ختام اجتماعها الوزاري، السماح بالترشيح الدقيق لأقل من 0.8 ميكرومتر. وقد بررت هذه الخطوة باقتدائها بالقرار الصادرعن الوكالة الوطنية لسلامة الأغذية وال9 البيئية والمهنية في يناير 2023، حيث تضمن إمكانية تنفيذ مثل هذه العلاجات للاحتفاظ بجزيئات معينة، وليس لتعديل الخصائص الميكروبيولوجية للمياه في غياب معيار يحدد المستوى المسموح به.
في سنة 2001 تم إقرار أن تنفيذ الترشيح الدقيق عند 0.8 ميكرومتر أمر مقبول لأنه لا يعدل "الميكروبيوم" أو ما يعرف بتكوين الكائنات الحية الدقيقة ووفرتها الخاص بالمياه، مقابل حظر عمليات تطهير المياه الصافية.
غير أن إعلان كاتالونيا عن وباء معد في أبريل 2016 أثار شكوكا بقرار السماح بالترشيح الدقيق لأقل من 0.8 ميكرومتر. فقد خلف الوباء أكثر من 4000 شخص، ستة منهم اضطروا إلى دخول المستشفى. وتذكر القارير الطبية أن تلوث طبقة المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي تعد السبب الرئيس وراء ظهور فيروس النوروفيروس ، الذي لم يتم التخلص منه من خلال الترشيح الدقيق وظهر مرة أخرى.
وبناء على معطيات علمية فالترشيح الدقيق ومعالجة المياه المعبأة يمكن أن تكون في حد ذاتها مصادر لمخاطر صحية سيئة. في بداية شهر يناير، اقترح فريق من الباحثين من جامعة كولومبيا في نيويورك، في مجلة "إجراءات الأكاديمية الوطنية للعلوم"، طريقة لقياس وتوصيف الجسيمات البلاستيكية الدقيقة والجسيمات النانوية في الماء. تم اختبار هذه التقنية على ثلاث علامات تجارية من المياه المعبأة، وكشفت عن وجود قوي لجزيئات البولياميد النانوية - حوالي 100000 لكل لتر - في علامات تجارية معينة. ويشير فريق البحث أن هذا التلوث، الذي لم يتم قياسه حتى الآن، يمكن أن يأتي من المرشحات الدقيقة المستخدمة في مرحلة التعبئة.
خطة تجارية لاستعادة مستويات إنتاجها..."نستله ووترز " تقدم على إطلاق علامتها الجديدة
وأوضحت نستله للمياه، الإثنين 29 يناير 2024، بأن ما نشر في موقع صحيفة "ايكونوميك" الفرنسية عن ممارسات الشركة في معالجة مياهها المعدنية، كان الهدف منه ضمان سلامة المستهلكين ما يعد امتثالا للقواعد التنظيمية. وأكدت الشركة أن العلامات التجارية المعنية، وهي "بيرييه" و"فيتيل" و"هيبار" و"كونتريكس"، أصبحت كلها "متوافقة تماما مع الإطار التنظيمي الفرنسي لإنتاج المياه.
لافتا، أنها اضطرت إلى وقف استغلال ينابيع فوج، لتزويد العلامة التجارية "ايبير" وتخصيص ربع الآبار التي تديرها الشركة في فيرجيز لإنتاج المياه المنكهة، والتي سيتم تسويقها بدون علامة "المياه المعدنية الطبيعية"، ويمكن لهذه العلامة التجارية الجديدة " ميزون بيريي" أن تسمح للموقع بالعودة إلى مستويات إنتاجه التاريخية، حيث أدى التوقف عن بعض المعالجات، وفقًا لصحيفة "ايكونوميك"، إلى خفض الإنتاج السنوي من 1.7 إلى 1.2 مليار قنينة سنويا.
العلم الإلكترونية - شيماء اغنيوة