بين الاقتصاد والدبلوماسية.. كيف تقود المصالح بريطانيا نحو دعم مغربية الصحراء؟

في زحمة التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم، تبرز قضية الصحراء المغربية من جديد كملف لا يخفت حضوره في دوائر القرار الدولي.
وبينما تتسابق دول عديدة لإعادة صياغة مواقفها من هذا النزاع، تقترب بريطانيا، بهدوء ودون ضجيج، من كسر حيادها التقليدي واتخاذ موقف أكثر وضوحا تجاه مغربية الصحراء، في خطوة قد تُعيد رسم توازنات إقليمية حساسة، وتفتح آفاقا دبلوماسية جديدة للمغرب في أوروبا الشمالية.
المفاوضات الجارية بين الرباط ولندن، والتي كُشف عنها لأول مرة بشكل رسمي خلال هذا الأسبوع، ليست مجرد تفاصيل تقنية في سجلات الدبلوماسية، بل تعكس نضجا سياسيا مغربيا راكمته المملكة طيلة عقود من الاشتغال الهادئ على هذا الملف.
هذا التحول البريطاني، إن تحقق، سيكون نتيجة تراكب عوامل متعددة، تبدأ من الحضور الاقتصادي المتنامي لبريطانيا في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ولا تنتهي عند الحاجة إلى إعادة ضبط بوصلتها الخارجية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
فبريطانيا، التي لطالما تبنت موقفا "محايدا" في الظاهر، تدرك أن الرهان على الاستقرار الإقليمي والفرص الاستثمارية يمر عبر الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي للنزاع المفتعل.
ومن خلال دعم هذا المسار، لا تقوي فقط علاقاتها مع الرباط، بل تضمن لنفسها موطئ قدم استراتيجيا في منطقة تعيد ترتيب تحالفاتها على إيقاع التحديات الأمنية والاقتصادية.
التحول البريطاني المحتمل لا يمكن فصله أيضا عن السياق الدولي الأوسع، حيث باتت المبادرة المغربية تحظى بدعم دول وازنة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، في حين تجد الأطروحة الانفصالية نفسها محاصرة بأزمة سردية وتراجع في الحضور الدولي.
من هنا، فإن انضمام لندن إلى هذا الخط السياسي سيعد تعزيزا إضافيا لزخم المبادرة المغربية، وقد يشكل، كما يرى بعض المراقبين، مدخلا لتليين مواقف دول إسكندنافية ما تزال تتردد في تحديد موقعها من النزاع.
وفي كل هذا المشهد، يبدو أن المغرب يدير أوراقه ببراغماتية هادئة، وبثقة نابعة من تماسك خطابه السياسي، وتنامي شرعيته الميدانية، واستثمار ذكي في تحوّلات العواصم الكبرى.
ومع اقتراب بريطانيا من حسم موقفها، تقترب الرباط من إضافة نقطة جديدة في سجل اختراقاتها الاستراتيجية، ضمن مسار طويل، لكنها تخوضه بثبات.