الغنبوري: المضاربة ترفع الأسعار.. والتخزين الذكي حل لمواجهة تحكم السماسرة في الأسعار (حوار)

مارس 7, 2025 - 16:00
 0
.
الغنبوري: المضاربة ترفع الأسعار.. والتخزين الذكي حل لمواجهة تحكم السماسرة في الأسعار (حوار)

تيليغراف.ما - الرباط

في ظل الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية في المغرب، يبرز دور الوسطاء كأحد العوامل الأساسية التي تساهم دور الوسطاء كأحد العوامل الأساسية التي تساهم في تفاقم هذه الأزمة، حيث يؤدي غياب تنظيم صارم لسلاسل التوزيع إلى استغلال السماسرة للفجوات السوقية، مما يرفع الأسعار بشكل لا يعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج.

 وأمام هذا الوضع، تبرز الحاجة إلى البحث عن حلولا اقتصادية فعالة تحد من تدخل الوسطاء وتضمن توازنا بين مصالح المنتجين والمستهلكين.

 في هذا الحوار، نناقش مع رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، المحلل الاقتصادي علي الغنبوري، التدابير التي يمكن للحكومة اتخاذها لتقليص تأثير الوسطاء، ودور التقنيات الحديثة في إعادة هيكلة سلاسل التوزيع، إضافة إلى الأثر الاقتصادي المتوقع لهذه التغييرات على الفلاح والمستهلك.

بداية، ماهي السياسات الاقتصادية التي يمكن أن تعتمدها الحكومة لتقليل هوامش الربح غير المشروعة للوسطاء؟

الوسطاء في المغرب يشكلون أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وذلك نتيجة غياب تنظيم فعال ومحكم لسلاسل التوزيع التي تربط بين المنتجين والمستهلكين، وهو مايتيح للسماسرة استغلال الفجوات في السوق لفرض هوامش ربح مرتفعة، مما يؤدي إلى تضخم الأسعار بشكل لا يعكس التكلفة الحقيقية للإنتاج، ولمعالجة هذه المشكلة، يمكن للحكومة أن تتخذ تدابير اقتصادية مدروسة تعزز الكفاءة وتقلص دور الوسطاء غير الضروريين.

أولا، تعزيز الرقابة على الأسواق يمثل خطوة حاسمة للحد من تأثير الوسطاء، حيث يمكن للحكومة تشديد المراقبة على المضاربين والسماسرة الذين يتحكمون في الأسعار بين الفلاح والمستهلك، من خلال إنشاء هيئات رقابية نشطة في الأسواق الرئيسية مثل سوق الجملة بالدار البيضاء أو الرباط، فعلى سبيل المثال، إذا كان سعر الكيلوغرام من البطاطس يغادر الحقل بـ2 درهم ويصل إلى المستهلك بـ8 دراهم بسبب التلاعب في الأسعار، فإن فرض غرامات على المضاربة غير المشروعة وتتبع المعاملات يمكن أن يضع حدا لهذه الممارسات.

ثانيا، تشجيع البيع المباشر من المنتج إلى التاجر عبر إنشاء أسواق جملة حديثة ومنظمة يعد وسيلة فعالة لتقليص عدد الوسطاء في المغرب، ويمكن استلهام نموذج الأسواق الجهوية مثل سوق "الكرو" في أكادير، لكن مع تطويره ليصبح منصة مباشرة بين الفلاحين وتجار التجزئة، فعلى سبيل المثال، لو تمكّن فلاح من منطقة سوس من بيع الطماطم مباشرة إلى تاجر في المدينة بسعر 3 دراهم للكيلو بدلا من تمريرها عبر ثلاثة وسطاء يرفعون السعر إلى 7 دراهم، فإن ذلك سيخفض التكلفة للمستهلك ويزيد دخل الفلاح.

ثالثا، دعم التعاونيات الفلاحية يمكن أن يكون حلا جذريا لتمكين الفلاحين من الاستغناء عن الوسطاء، والحكومة قادرة على تقديم قروض ميسرة وتكوين مهني للتعاونيات لتسويق منتجاتها بأنفسها، فعلى سبيل المثال، تعاونية في منطقة الغرب لإنتاج الحليب يمكن أن تبيع مباشرة لشركات الألبان مثل "دانون" بدلا من الاعتماد على وسيط يشتري الحليب بـ4 دراهم لليتر ويبيعه بـ6 دراهم، مما يضمن سعرا عادلا للفلاح ويحد من التضخم في السوق.

إلى أي مدى يمكن أن يساهم تطوير أساليب توزيع جديدة في تقليص دور الوسطاء وخفض الأسعار؟

بالتأكيد، التقنيات الحديثة تمثل أداة فعالة للحد من تأثير الوسطاء على أسعار المواد الغذائية في المغرب، حيث يمكنها أن تعيد تشكيل سلاسل التوزيع بطريقة مبتكرة وشفافة، مما يقلص الفجوة بين المنتج والمستهلك ، حيث يمكن العمل على إنشاء منصات إلكترونية لبيع المنتجات الفلاحية كحل عملي يتيح للفلاحين التواصل المباشر مع المستهلكين أو التجار، مما يقضي على الحلقات الوسيطة التي ترفع الأسعار، ويمكن لمنصة رقمية مغربية أن تسمح لفلاح في منطقة تادلة ببيع البرتقال بسعر 4 دراهم للكيلوغرام مباشرة إلى أسرة في الدار البيضاء أو تاجر محلي، بدلا من تمريره عبر وسطاء قد يرفعون السعر إلى 8 دراهم. 

بالإضافة إلى المنصات الإلكترونية يمكن كذلك خلق تطبيقات التتبع اللوجستي التي تستخدم في دول أخرى توفر نموذجا متقدما يمكن الاستفادة منه، فهذه التطبيقات تراقب مسار المنتج من الحقل إلى السوق باستخدام تقنيات تحديد المواقع (GPS)، مما يكشف أي تدخل غير مبرر من الوسطاء.

كما يمكن الاستثمار في التعليب والتخزين الذكي كحل تقني يعالج مشكلة الخسائر الكبيرة في المنتجات الفلاحية، التي تشكل ذريعة للوسطاء لرفع الأسعار، فالخضروات مثل الطماطم تتعرض للتلف بنسبة تصل إلى 30 بالمائة في المغرب بسبب سوء التخزين أو النقل، مما يدفع الوسطاء إلى تعويض هذه الخسائر بزيادة الأسعار، وباستخدام تقنيات التخزين البارد أو التعليب الحديث، يمكن تقليل هذه النسبة إلى أقل من 10 بالمائة، كما هو الحال في دول أخرى ، ولو استثمر المغرب في مستودعات تبريد في مناطق الإنتاج الكبرى مثل سوس أو الغرب، فإن ذلك سيقلل من التكاليف ويحد من اعتماد الفلاحين على الوسطاء لتصريف المنتجات بسرعة.

طيب، ما الأثر الاقتصادي المحتمل لتقليص دور الوسطاء على كل من المستهلك والفلاح؟

تقليل دور الوسطاء في سلاسل التوزيع بالمغرب يشكل خطوة استراتيجية نحو تحقيق توازن اقتصادي مستدام يعود بالنفع على جميع الأطراف، من المستهلكين إلى الفلاحين، مع تعزيز كفاءة السوق الفلاحية، فتقليص دور الوسطاء سيؤدي إلى انخفاض ملحوظ في الأسعار بالنسبة للمستهلك، حيث سيصل المنتج إلى السوق بسعر أقرب بكثير إلى تكلفته الحقيقية، بعد استبعاد هوامش الربح المبالغ فيها التي يفرضها السماسرة، مما يخفف العبء المالي على الأسر المغربية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، فعلى سبيل المثال، لو انخفض سعر كيلو البطاطس من 8 دراهم إلى 5 دراهم، فإن أسرة مكونة من 5 أفراد قد توفر حوالي 50 درهما شهريا على هذا الصنف وحده.

أما بالنسبة للفلاح، فإن تقليل الوسطاء يعني زيادة كبيرة في الأرباح، حيث يحصل على حصة أكثر عدالة من السعر النهائي بدلا من بيع إنتاجه بأسعار زهيدة للوسيط تحت ضغط الظروف.، وهذه الزيادة لا تحسن أوضاع الفلاحين اقتصاديا فحسب، بل تشجع على زيادة الإنتاج الفلاحي، لأن الفلاح يصبح أكثر حماسا للاستثمار في أرضه عندما يرى عائدا مجزيا .