العلاقات المغربية الاسرائيلية إلى اين ؟
محمد البشير
في الرابع والعشرين من نونبر الماضي قام وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني غانتس”، بزيارة إلى المغرب، وهي الزيارة التي جاءت من اجل تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الجانبين، كما تعتبر زيارة غانتس أول زيارة رسمية للمغرب يقوم بها وزير دفاع إسرائيلي منذ توقيع إتفاقية السلام الثلاثية الاطراف بين المغرب و الولايات المتحدة واسرائيل في دجنبر من العام الماضي 2020 في إطار ما عرف بـاتفاقيات تطبيع العلاقات مع اسرائيل ، فضلًا عن المخرجات المهمة التي نتجت عن الزيارة من تكثيف للتعاون العسكري والأمني والاستخباراتي بين البلدين
في المقابل ما هي أهم الدوافع التى تقف خلف عقد كل هذه الاتفاقيات بين المغرب وإسرائيل؟ وهل مصالحها مشتركة بين البلدين وما هي هذه المصالح أصلًا؟
تجمع المغرب بإسرائيل علاقات تعاون سرية قديمة تعود لستينيات القرن الماضي، تخللها تعاون وتنسيق أمني رفيع المستوى في قضايا حساسة، باعتبار انها كانت تتخذ أحيانا من وجود تجمع إسرائيلي كبير من أصول مغربية، واستمرار وجود صلات ترابط اجتماعية وعائلية بين هذا التجمع وبقايا الجماعة اليهودية في المغرب سندا لها في تبرير العلاقات السياسية والإنسانية وتعزز ذلك الروايات المنتشرة في صفوف اليهود المغاربة عن المعاملة الجيدة التي حظي بها اليهود تاريخيا من قبل النظام المغربي، والحماية التي وفرها الحكم المغربي لليهود إبان الحقبة النازية عندما رفض تسليم اليهود الموجودين على أراضيه لنظام النازيين ،ايضا توافق المصالح السياسية والأمنية بين نظامين صديقين للغرب وللولايات المتحدة على وجه الخصوص وتجمعهما وجهات نظر مشتركة تجاه قضايا العالم. وتظهر حجم الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل والمغرب منذ اتفاق أبراهام في دجنبر 2020 حرص الطرفين على ترسيخ التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات. ففي أعقاب زيارة وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد إلى المغرب في غشت 2021، استبدلت مكاتب الاتصال الدبلوماسي بينهما بسفارتين كذلك وقعت شركة إسرائيلية اتفاق تعاون في مجال التنقيب عن الغاز على السواحل الجنوبية المغربية، ومؤخرًا جرى إطلاق خط جوي مباشر بين الدار البيضاء وتل ابيب بعد الخط الجوي الاول مراكش تل ابيب الذي جرى إطلاقه صيف هذه السنة. وتشير تقارير إلى الإمكانيات الكبيرة التي ستعمل إسرائيل على تقاسمها مع المغرب خاصة في مجالات ال2 الزراعية والمعدات الطبية المتقدمة وال2 المتعلقة بتحلية مياه البحر وبناء السدود
وعلى هامش مباحثات وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس والوزير المغربي المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، وقع الجانبان مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني والمخابراتي لم يسبق أن وقعت مثلها مع أي من دول التطبيع العربي. وقد أشارت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أن الاتفاق يرسم التعاون الأمني بين المغرب وإسرائيل بمختلف أشكاله في مواجهة التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة. وتعكس هذه المعطيات أن الاتفاق سيتيح للمغرب الاستفادة من القدرات العسكرية الكبيرة لإسرائيل في مجال صناعة الطائرات المسيرة لتعزيز سلاح الجو المغربى. وتأكيدًا على هذا المسار أشارت تقارير إلى أن إسرائيل ستقوم بتحديث 24 طائرة قديمة من طراز إف 5 أمريكية الصنع ، بالإضافة إلى إمدادها بمنظومات دفاع جوية متقدمة وأسلحة كانت إسرائيل ترفض بيعها للمغرب سابقا. ويتضح أن التطبيع بين إسرائيل والمغرب يسير بخطى ثابتة ويشمل كافة المجالات السياسية وال3ية والثقافية والعسكرية والأمنية،
إزاء ما سبق يمكن فهم السياق الشامل لهذه الزيارة على الرغم من توقع الكثيرين بأن الصفقة قد سقطت مع خروج ترامب من البيت الأبيض إلا أن تصريحات المسؤولين فى إدارة بايدن تثبت عكس ذلك، فعشية وصول غانتس إلى الرباط جدد وزيرا خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكين والمغرب ناصر بوريطة خلال لقائهما في واشنطن التأكيد على أهمية التعميق المستمر للعلاقات بين المغرب وإسرائيل، كما أكد بلينكن أن واشنطن تواصل اعتبار خطة الحكم الذاتي المغربية جادّة وجديرة بالثقة وواقعية وتنطوي على مقاربة يمكن أن تلبي تطلعات الشعب الصحراوي في إشارة لتشجيع إدارة بايدن للخطة المغربية وفي ما يتعلق بتعزيز النفوذ الإسرائيلى فى شمال أفريقيا الذي تطمح له إسرائيل، والذي يفتح المجال أمامها للتحرك نحو الساحل وإيجاد موطئ قدم بين القوى المتنافسة لاسيما مع التغلغل الصيني والتسابق الروسي والتمدد الايراني من اجل قيادة مركبة القارة الافريقية .
وسبق أن قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، بسلسلة من الزيارات في افريقيا، وأدّت إلى الاقرار بضم إسرائيل كعضو مراقب في منظمة الوحدة الافريقية
وما يكمن استنتاجه هو ان العلاقات في مرحلة ما بعد ديسمبر 2020 اقتصرت على ملفات مهمة بطبيعة الحال ولكنها لا تنقل العلاقات إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية التي تهدف اليها إسرائيل مثل: تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود، من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب، واستئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب الآجال، والسعي إلى تطوير علاقات مبتكرة في المجال ال3ي والتكنولوجي.
بينما هدفت زيارة جانتس إلى توثيق العلاقات مع المغرب وجعلها أكثر استراتيجية، وهو ما ظهر فى المباحثات التى أجراها جانتس مع كبار المسئولين المغاربة مثل عبد اللطيف لوديي والجنرال دوكور دارمي بلخير الفاروق وناصر بوريطة ومحمد ياسين المنصوري فتعتبر إيران عدوًا مشتركًا لإسرائيل والمغرب، خاصة أن الأخيرة تندد باستمرار بمحاولة إيران تهديد وحدة الأراضي المغربية وأمنها. وذلك من خلال دعم جبهة البوليساريو، وتدريب عناصرها ومنحها السلاح من خلال أذرع حزب الله في غرب أفريقيا. لذلك عبّرت إيران عن استيائها إزاء اتفاقية أبراهام بين المغرب وإسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، تحاول إسرائيل الحد من نفوذ إيران الممتد في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وكذلك في شمال أفريقيا. لذلك ندد وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بالعلاقة بين الجزائر وإيران في زيارته الأخيرة للمغرب. حين قال: نتشارك بعض القلق بشأن دور الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربًا من إيران. وربما تلجأ الجزائر إلى توثيق علاقاتها بصورة أكبر مع كلًا من إيران وروسيا لمواجهة تحالف المغرب مع كلًا من إسرائيل وأمريكا.