الاتحاد الأوروبي يقر قانون جديد لمنع هيمنة عمالقة التكنولوجيا
يدخل قانون تاريخي للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ والذي يهدف لمنع الشركات الرقمية العملاقة من إساءة استخدام مركزها المهيمن، لكن تنفيذه بشكل فعال ينطوي على تحدٍّ كبير وسيتسبب بمعارك شرسة. فما هو هذا القانون بالضبط؟ وما هي التحديات؟
يتعين على ستة من عمالقة ال2 – هي المجموعات الأمريكية ألفابت (غوغل) وأمازون وآبل وميتا (فيسبوك وإنستغرام وواتساب) ومايكروسوفت، إضافة إلى الصينية بايت دانس المالكة لتيك توك، الامتثال لقانون أوروبي تاريخي دخل حيز التنفيذ يوم الخميس (السابع من مارس 2024).
ويحدد « قانون الأسواق الرقمية » (DMA) سلسلة التزامات ومحظورات لوقف إساءة استخدام المركز المهيمن بهدف الحد من المنافسة، وذلك لزيادة التنافسية في السوق ومساعدة الجهات الصغيرة على التقدم. وقالت المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة مارغريت فيستاغر في مقابلة مع وكالة فرانس برس: « ما نتوقعه من شبكات (التحكم في الوصول) هو تغيير في السلوك ».
ويحمل القانون الجديد في طيّاته ثورة على صعيد المنافسة، بعد سنوات من إجراءات طويلة وغير مجدية في كثير من الأحيان لمحاولة وضع حد للممارسات المناهضة للمنافسة من جانب عمالقة الإنترنت.
وسيتعين على المجموعات المستهدفة إبلاغ المفوضية الأوروبية بأي عملية استحواذ، بغض النظر عن حجمها. وقبل كل شيء، سيتعين على هذه الجهات ضمان الوصول إلى خدمات منافسيها، بدلًا من فرض حلولها الخاصة بشكل تلقائي، بما يشمل على سبيل المثال أنظمة تصفح الإنترنت، وخدمات الخرائط، و »متاجر التطبيقات ». كما يجب أن تكون خدمات المراسلة الفورية لتطبيقي واتساب ومسنجر قابلة للتشغيل المتبادل على الخدمات المنافسة التي تطلب ذلك.
تحديات تطبيق القانون
لكنّ تطبيق هذه الترسانة القانونية الجديدة، التي تطعن فيها آبل وميتا وتيك توك أمام القضاء، « سيشكل مهمة هائلة »، بحسب ما يقول برام فرانكن، من مركز أبحاث « مرصد الشركات الأوروبية » (« كوربوريت يوروب أوبسرفاتوري ») لوكالة فرانس برس. ويوضح فرانكن: « حتى اليوم، بعد مرور ما يقرب من ثماني سنوات على اعتماد القانون العام لحماية البيانات (GDPR)، لا يزال الاتحاد الأوروبي يكافح من أجل ضمان احترام فيسبوك لخصوصية ملايين الأشخاص في أوروبا ». وفرضت المفوضية الأوروبية غرامة قدرها 1,2 مليار يورو على ميتا العام الماضي بسبب انتهاكات حماية البيانات.
عالميًا، أو حتى 20% في حالة تكرار المخالفة، والتهديد بحلّ هذه الشركات كملاذ أخير. وشددت بلجيكا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، على أنه مع اعتماد تسعة تشريعات رقمية رئيسية على الأقل منذ عام 2019، « من الضروري إعطاء الأولوية في السنوات المقبلة لتطبيقها الفعال ».
وتتشاطر شركات ال2 الأوروبية القلق نفسه، إذ تريد من بروكسل أن تضمن احترام القواعد الحالية من جانب مجموعات ال2 الأميركية العملاقة قبل تطوير قواعد جديدة، وفق مصادر في القطاع. ويحذر زاك مايرز من مركز الإصلاح الأوروبي البحثي من أن « المشرّعين يقلّلون إلى حد كبير من أهمية التحدي المتمثل في تنفيذ القوانين الرقمية الأخيرة ». ويبدي مايرز قلقًا من أن سيل النصوص التنظيمية يزيد من « خطر عدم حصول المفوضية (الأوروبية) والسلطات الوطنية المسؤولة عن تطبيقها على الموارد اللازمة لتنفيذها بشكل صحيح ».
وتقرّ فيستاغر بأنه سيتعين على المفوضية تحديد الأولويات، حتى في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة إلى « تعزيز » فرقها، إذ تضم المؤسسة حاليًا 80 موظفاً يعملون على قانون الأسواق الرقمية، و123 موظفًا في قانون الخدمات الرقمية (DSA) المرتبط بالإشراف على المحتوى.
في المقابل، أعلنت ميتا وتيك توك العام الماضي أنّ كلًا منهما وظف أكثر من ألف شخص للامتثال لقانون الخدمات الرقمية، فيما أكدت غوغل أنها تستعين بـ »آلاف المهندسين » للغاية عينها. وتبدي خبيرة المنافسة في معهد بروغل فيونا سكوت مورتون، مخاوف بشأن تطبيق هذه القواعد. وتقول لوكالة فرانس برس: « لا تزال هذه مشكلة. قانون الخدمات الأسواق الرقمية يعتزم علاجها من خلال تحميل الشركات نفسها المسؤولية لتأكيد وتوضيح وإثبات التزامها بها ».
أول اختبار للقواعد الجديدة
وشكل النزاع بين شركتي آبل وإبيك، أول اختبار للقواعد الأوروبية الجديدة بشأن المنصات العملاقة منذ دخوله حيز التنفيذ. وأكدت المفوضية الأوروبية الخميس أنها طلبت توضيحات من مجموعة آبل، التي اتهمتها شركة « إبيك غايمز » الأمريكية الناشرة لألعاب ال11 بإعاقة المنافسة من خلال منعها من تطوير عرض تطبيقات بديلة على هواتف « آي فون ». وقالت ناطقة باسم المفوضية « لقد طلبنا من شركة آبل توضيحات إضافية حول هذا الموضوع في إطار قانون الأسواق الرقمية ».
ويرمي القانون إلى حماية ظهور الشركات الناشئة ونموها وتحسين الاختيارات المتاحة للمستخدمين. مع ذلك، أعلنت شركة « إبيك غايمز »، التي تنشر خصوصًا لعبة « فورتنايت »، الأربعاء أن « آبل » منعتها من تقديم متجر تطبيقات بديل لمتجر الشركة المصنعة لهواتف « آي فون ». وقالت « إبيك » إن محاولتها الأولى لعرض متاجرها الخاصة عبر هواتف « آي فون » ووجهت بالرفض. وقد وصفت « إبيك » ذلك بأنه إجراء انتقامي بسبب انتقاداتها العامة الكثيرة لـ »آبل ».
وشددت الناطقة باسم المفوضية الأوروبية الخميس على أن بروكسل تقوّم أيضًا ما إذا كان موقف شركة أبل « لا يثير الشكوك حول امتثالها » لقانونين آخرين للاتحاد الأوروبي ينطبقان على الشركات العاملة في القطاع الرقمي. وتكثف « إبيك » في السنوات الأخيرة إجراءاتها القضائية وتتواصل مع السلطات لإجبار « آبل » و »غوغل » على فتح أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة الخاصة بهما، « آي او اس » و »أندرويد » (المثبتة على الغالبية العظمى من الهواتف الذكية)، لتنزيل المتاجر للتطبيقات البديلة لتطبيقاتها.
وتسعى الشركة المطورة لألعاب ال11 أيضاً إلى حمل عمالقة ال2 على وقف فرض عمولة كبيرة على المشتريات التي يجريها المستخدمون (المكافآت، خيارات الألعاب). في الثاني من مارس، أغلقت آبل حساب مطور « إبيك »، وهو حساب ضروري لإطلاق متجر على أجهزتها. وقال ناطق باسم آبل في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وكالة فرانس برس إن « انتهاك (إبيك) الصارخ لالتزاماتها التعاقدية تجاه آبل دفع بالمحاكم إلى القول إن آبل لها الحق في إنهاء (أعمال « إبيك ») في أي وقت ووفقاً لتقدير آبل وحدها ».