بورتريه: رشيد أسلال .. حكيم الكوميديا الأمازيغية السوداء
مرآة الظل: الكوميديا السوداء وألم الروح
رشيد أسلال، ذلك المولود في حضن الجبال الأمازيغية، صانع البسمة التي تحمل وجع السنين، يدعو من ضحكته السوداء إلى تأمل أعمق في عتمة الكينونة.
هو ليس مجرد كوميدي، بل حكيم يسير بين الناس، يكشف تناقضات النفس البشرية بمرآة ساخرة. كلماته كالنصل، تقطع لتُطهِّر، تخرج من عُمق المعاناة اليومية، حيث المزاح يصبح طقسًا للتطهر من الهمّ. أسلال لا يسخر إلا ليُوقظ، ولا يضحك إلا ليُقيم العزاء في قلوب لم تعرف الضحك إلا ملاذًا من وجع الحياة.
هندسة المعنى: ثقافة تتنفس حياةً
في مجال الهندسة الثقافية، يقف أسلال كالبنّاء العارف، يشيد صروحًا من الفعل الثقافي الحيّ. من منصات المسرح إلى فضاءات السينما، يخطو بوعي القائد الذي يعرف أن الثقافة ليست زينة للأيام، بل شريان حياةٍ يستنهض هوية الإنسان الأمازيغي. مشاريعه الثقافية ليست سوى حدائق صوفية تُزهر على حواف الجبال، تُحيي لغة الأرض وتُعيد الوصل بين الإنسان وجذوره.
سراب المسرح: تجليات الممثل والسيناريست
على خشبة المسرح، يتحوّل رشيد أسلال إلى صوفيّ هائم، يستنطق الوجود بجسده وصوته. أما في السينما، فهو عارف يُعيد ترتيب الحكايات ليجعلها أناشيدًا كونية. السيناريو في يده يتحول إلى خريطة روحية، حيث الشخصيات ليست إلا رموزًا لمعاناة الإنسان واشتياقه للمطلق. عبر كل حرف يخطه، ينسج حكايات تصدح بلغته الأم، لغة تعيد بعث الروح في الزمان والمكان.
النضال كذكر: الدفاع عن الأمازيغية
في معركة الدفاع عن الأمازيغية، يخطو رشيد أسلال كمريد عاشق، يلتقط من قلوب شعبه أوجاعهم ويحولها إلى كلمات تنبض بالكرامة. نضاله ليس مجرد فعل سياسي، بل هو ذكرٌ صوفيّ، يقيم به صلاةً جماعية للغة الضائعة بين الرياح. بين كل جملة وأخرى، يعلو صوته كناقوس يحث القوم على اليقظة، وعلى التشبث بما جعلهم هم، بصلاتهم الأزلية بالأرض والحرف.
على صراط الفن: المدرسة الفريدة
مدرسة رشيد أسلال ليست إلا سيرًا على الصراط الممتد بين الضحك والبكاء، بين الألم والتجلي. هو المعلم الذي يأخذ بيد متابعيه إلى حيث يرون الحياة من زاوية لا تُرى إلا بالعَين الباطنية. في سخريته عمق لا يلمسه إلا من ذاق مرارة الأسئلة الكبرى، وفي إبداعه سمو يضاهي نشوة أهل الفناء حين يقتربون من الحقيقة.
رشيد أسلال، كوميديّ، مثقف، ونضاليّ، لكنه قبل كل شيء حكيم، يحمل همَّ أمةٍ ويرتقي بفنه ليصبح لغة الروح التي تَصرُخ صمتًا وتضحك دمعًا.